الجمعة، 18 يناير 2019

مجالس الشعراء ..قهوة مرة..الشاعرة مديحه ابراهيم والكاتب حسين أبو الهيجاء

..قهوة مرة...

 أخذته الذكرياتُ الى تفاصيل حياته العسكرية ، التي أنهاها صدور قرار إحالته إلى التقاعد ، لأتمامه المدة المقررة ..
و كان صفير القطار بين حين و آخر ، ينتشله من تلك الذكريات المزدحمة .. ،
  مسّد علئ بزته العسكرية ، مبتسماً لها بحزن ، حيث أدركَ أنها لن تلامس جسده بعد ذلك ، بل ستأخذ مكانها في دولاب ملابسه ، بكبريائها و شموخها بين ملابسه المدنيه ..
 أرسلَ نظراته عبر ناقذة القطار ، فأدركَ أنه قطَع نصف المسافة إلى بلدته الوادعه ،،
و اكتشف للمرة الاولى وجود سيدة أربيعينية تجلس قُبالته .. !
 كانت ساهمةً .. ، و كان الحزنُ يعبث بجمال وجهِها ،.. و كان يبدو أنها لم تلحظ وجوده ايضاً .. !!
  لاحظ دمعةً سَحّتْ من حدقتِها بمحاذاة أنفِها ، و جَفّتْ على وجنتِها
  شعر أنه مأخوذٌ اليها . و مأخوذٌ بها ..، فعمَدَ ألى شهيقٍ طويل،  و استجمع قواه ، و شرخ وحدتها سائلاً :
-  ارى الحزنَ يغزو براءتَكِ سيدتي ،..
" و كان ساقي القطار يمر بمحاذاتهما " ..
فتابع مشيراً إلى الساقي :
- قهوتك سيدتي ?
سهَمَتْ قليلاً ثم قالت :
- لم يغادرني طعمُ المرارة سيدي .. !
ابتلَع ريقَه و أشار للساقي :
- كوبان من القهوة المرة ..
    ناولها كوبَها قائلا :
- يبدو أن حياة الجميع باتت مُرةً سيدتي .. !
تناولتْ كوبَها وغرِقت في ذكرياتها المؤلمة ..
( لم تكن أصغر سناً مني ، لم تكن أكثر جمالاً ، أو حيوية ،، و كانت صديقة العمر ، ، لم تكن سوى مُخادعةً  و لَعوباً  ، استطاعتْ الايقاع به ، بغوايتها و مكرها  .. )
   أنقذها من شرودها قائلا :
 - قهوتُكِ أصبحتْ باردة سيدتي  ، ألا ترتشقينها !
  ابتلعتْ ريقها و قالت بصوتٍ مبحوحٍ و كلماتٍ راجفة :
- كان لا بد من الانفصال ، كان لا بد من الذهاب بعيداً ، بعد أن عقد قرانه عليها ، بعد أن طعن كرامتي بصديقتي .. !
        و تنهدت ..
غير أن دمعة انزلقت على وجنتها مخضبة بسواد كحلتها ،
  مدّ يداًٍ راجفةُ و حانية ، و مسح دمعتها . و أورد فيها شعوراً تملوءه المودةُ و الحتان .. ، ربّتَ على يدِها بلطف ، ثم احتضن كفّتها بين كفتيه ، " بمحبة ظاهرة "  قائلا بحنُوٍّ :
- سيدتي ،، اليوم أنهيتُ حياتي العسكربة ، ،  و لكني أعرف أنني سأبدأُ حياةً جديدة ،، ربما في الحقل ، ربما في صيد الاسماك ، ربما في  اي شيء  ، لأني أُدركُ ، أن كل نهايةٍ ، هي بدايةٌ جديدة ، و ربما أفضل من سابقتها .. !!

 و لما انطلقتْ صافرةُ القطار ، و بدأت سرعته تتباطأ ،  اختلسَ نظرةً عبر النافدة.  ثم ابتسم لها ، و ضغطَ على يدها ، قائلاً بصوت يهدِلُ عطفاً و حباً :
- لا أعرف أين محطتكِ الاخيرة ، لكني سأنزل هنا ، و تاخذُني رغبةٌ جارفةٌ ، أن تنزلي معي ، لنصعدَ معاً ، و من هذه المحطة ، الى حياةٍ جديدة .. جديدة

   أسهمتْ بعينيها أرضاً ، و ابتسمتْ ابتسامةً شاحبة  ..
   و لما توقف القطار ، كانت دمعة تُبرقُ على ابتسامتها. !!
نص ل
 مديحه ابراهيم شاعرة الباديه
بالاشتراك مع.....
حسين أبو الهيجاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق