الجمعة، 18 يناير 2019

مجالس الشعراء//امرأة كاملة//الكاتب حسين أبو الهيجاء

_  إمرأة كاملة  .. ! ___________ قصة قصيرة 
                             * بقلم : حسين ابو الهيجاء                 
..أتَذرفُ من فرَحٍ !?  يا زوجي العزيز ..
     دَعْ سَيل الدموع لي .. دعها تغسل سنوات الانتظار ، ألم ترَ يا حبيبي كيف لملمتهُ تسعة عشر عاماً على نِصال الوجع ..حتى اسكنتهُ جنيناً كامﻻً في أحشائي .. !
   أم تُراك تبكي من ألم ؟ ..، ﻻ يا عزيزي ، فأنا الاجدر بالبكاء العذب ،، دَعني أرطّبُ يباسي به ،، دعني أذرفهُ انتشاءً ، .. فكم من الشهور الثقيلة لَوّحتُ لها وداعاً وانا أكملُ نسيجه على خدَري .،، ﻻ أصدّق انها تسعة فقط
- كما يقولون - ﻻ اصدق ،، كيف وانا في الاربعين ..!
ألا ترى انهم يكذبون وقد تزوجتُ منك وانا في العشرين !
.. كم من السنين العجاف ابتلعنا انتظاراً .. ، تسعة عشر عاماً أُشكّلهُ على أمَلي ، فدع الفرَح يعُبُّ من عينيّ لؤلؤا ، فهو  لي وهو لك ، هو ثمرة الحب النابض ، ثمرة اﻻنتظار ، .. انه هنا يا حبيبي ، يسكُنُ فيّ ، في العُمق  ،
في البؤرة .، هو برزخ الضوء .. ، انظر كيف ينثال منه النور فيرشحُ على جسَدي ، ، قد أشعلَ ضوءهُ في أصابعي ، توهّجَ على جبيني ، سَحَّ على وجنتيّ ، .. دَع البكاء لي ، فعما قريب ستطربُ أذناي لتكرار حرفين هما أروع ما في الدنيا ..ما ما .. ، كم سيخفقُ لهما قلبي !
كم ستعتذب لهما جوارحي ،  ما ما ! ، عما قريب ،سأشُدّ  هذا الشقيّ الى صدري .. سأتكوّرُ عليه ..سأضمّه ليَعُبَّ من رحيقي .. ليَرتشفني حتى ثُمالتي ،، . أما الآن ، فتوسّد رُقاقةَ رَحِمي يا جنيني ، ونَم ساكناً ، نَم مُتشبثاً بحبلك السريّ ، بسرّنا الأزليّ ، وكفكف دموعك يا زوجي الحبيب ، ﻻ تسرق من دموعي قطرة ، انا اﻻجدر بالبكاء ..! ، سنوات ثقيلة جَرَرتُها أحيكُ بأهدابي ثياباً لندى الياسمين .. سنوات طويلة ، كنتُ اداعبهُ في حُقول الابتهاج ، وكان يُشاكسني في الامسيات .. حتى اذا غَمرتهُ حناناً ، كان يحبو الى صدري ، وينام على خَدَري .. كفكِف دموعكَ فغداً - لنا لقاء -  اغتربنا طويﻻً ، بﻻ مطرٍ وﻻ ندى، سوى غدَقٍ من زبَد ، ولكن - غداً - لنا لقاء ..، كم من حمْلٍ فاجأَنا بكَذِبه بعدَ أن كنا - صدقناه - ولكني غداً سأنجبُ مولوداً كامل الخِلقة ، ( كامل الامومة ) ، ﻻ كَذب فيه و ﻻ خِداع ،.. غداً سأكون أُمّاً ( كاملة الطفولة ) .. غداً .. عمّا قريب ..!
إمممم .. إمممم .. آه يا الله ، كم هي حادّة وعَذبة آﻻم المخاض ، إمممم يا الله ..، أظن أن موعده اقترب .. اقترب كثيراً ..، ابتهج يا زوجي العزيز ..، وﻻ تكن قاسياً عليّ يا صغيري .. ﻻتعُضّني هكذا .. واسحب ذراعكَ من حلقي .. إمممم .. يا الهي سياط اﻻلم تلسعُ أعماقي شواظاً ..، يا لهذا الشقيّ  كأنما يتَمَغّط فيّ كأذرع أخطبوط ، فيعتريني دُوارٌ من لذةٍ وألم ، .. ﻻ تغِب عني يا زوجي ، فتسعة عشر خريفاً ستهجر ظُلمتها الآسرة عمّا قريب ، وستخرج الى النور حيّةً .. نابضة .. غَضّة .. وصارخة ..،
ولكن ..
و لكن ..
   ما هذه الوحشة التي تغزوني ..
وما كل تلك الجلبة في الخارج ..
وما هذا النجيع ..
.. هل علِم الجميع أني سأنجب الآن .. !!
هل يبكون فرَحاً ،، من أخبرهم !?
.. وما هذه العتمة التي تتسلل الى رأسي .. الى صدري .. الى عينيّ !!
ما هذا الخدَر .. ما هذه الغيبوبة التي أخذَت تسكنني… !

…… .
..اندفَعَ شقيقها عبر الباب شارخاً وحدتها .. كان ( يُبدي ) فرحاً وابتهاجا وعاجلها قائﻻً :
-  انتطري أختي .. ﻻ تذهبي .. ، انتظري .. آنَ للفرح أن يجد طريقه الى قلبك الكبير يا عزيزتي ، كم تستحقين ذلك .?   
      اغرورقت عيناها بدمعتين حارقتين ، بينما جثى امامها مُشيحا بناظريه عن اصفرار وجهها وانكماشها فوق مِقعدها المتحرّك ، وراح يضغط على كتفيها النحيلين بيدين حانيتين ، ويزُفُّ لها ( البشرى ) بصوتٍ تخنقه العَبَرات :
-  انه جارنا ، الطبيب ذو القلب الكبير ..ورغم عِلمه ( باﻻخطبوط الخبيث ) الذي يزداد تمددا في أحشائك ،، إﻻّ أنه تقَدّم لِخطبتكِ ،، آه لو رأيت سعادته وهو يطلب اﻻقتران بك ..!
    و بكى وهو يراها تتبخّر .
                                                 .…………… .
                                                …………………
                          *       *        *
  …… .  في اليوم التالي ..، وعلى أرضٍ قاصية .. ، قاسية ومليئة بالاشواك الجافّة ، وبشواهد تحمل اسماءً تبدو غريبة وذابلة .. كان حشد مما يُشبه المﻻئكة……
               يُتمتمون فوق قبرها…… ..  !!

                                              إهداء الى :
                                         مراكز ابحاث امراض
                                             سرطان الرحم
                                          والمهتمون بالامر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق